فلسفة ليلة القدر عند أهل البيت (عليهم السلام )

فلسفة ليلة القدر عند أهل البيت (عليهم السلام )
نجد التأكيد على ليلة القدر من قبل الرسول (ص واله) وأهل بيته الكرام يخفي وراءه نوعاً من الفلسفة النظرية والعملية يضفونها (عليهم السلام) على هذه الليلة لا ليمنحوها هالة قدسية فحسب نظير الأديان الاخرى بل يمنجوها بُعداًًً عملياً يشرق في أفق النفس البشرية وأول ما ينتج ذلك دفع حركة الانسان المريد باتجاه الكمال الأنساني من خلال تكامل نظرتي العلم والعمل , لهذا فأول ما ذكره الأئمة (عليهم السلام ) من فلسفتها العملية هو الحث والترغيب في عمل الخير وصرحوا بذلك لأتباع منهجهم , فعن ابي عبد الله (ع) وقد قال له بعض أصحابه : كيف يكون ليلة القدر خيراً من الف شهر ؟ قال (ع) : (( العمل فيها خير من العمل في الف شهر ليس فيها ليلة القدر )) وقال حمران : قلت لابي عبد الله (ع ) ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي شيء عنى ذلك ؟ فقال (ع) : (( العمل الصالح فيها والزكاة وانواع
الخير خير في العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر , ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى لمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف لهم الحسنات ))
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام ) في بعض أدعيته واصفاً فلسفة ليلة القدر طالباً من الله عز وجل ان يجعله ممن يعي فلسفة هذه الليلة المباركة ويمكّنه من تطبيق بُعدها العملي مخاطباً بذلك اتباع منهجهم على طريقة ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) رابطاً بذلك بقضية التقدير الإلهي (( واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيباً
في كل خير أنزلته وتنزله في ليلة القدر , وما انت منزله في كل سنة من رحمة تنشرها , وعافية تلبسها , وبلية تدفعها , وحسنات تتقبلها , وسيئات تتجاوز عنها ,
وأن تجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر العظيم المحتوم في ليلة القدر , من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل , ان تكتبني من حجاج بيتك الحرام , المبرور حجهم , المشكور سعيهم , المكفر عن سيئاتهم , وأن تجعل فيما تقضي وتقدر أن تطيل عمري , وتوسع رزقي , وتؤدي عني أمانتي وديني أمين يا رب العالمين )) وقال ابو عبد الله الصادق (عليه السلام ) (( إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن شاء الله الى غيره وذلك أن ليلة القدر يكون فيها في عامة ذلك ما شاء الله أن يكون ))
وهذا معناه أن ليلة القدر بأعتبارها واقعة في أفق القضاء الإلهي تفتح باباً للأنسان كي يغير مجرى مصيره ويكتب نفسه من خلال عمله الصالح في صفحات البركة من هذه الليلة العظيمة , وأن لا يركز على جانبها العبادي فحسب وهذا جزء من فلسفتها لديهم (عليهم السلام ) واللطيف ذكزه ايضاً أنهم (عليهم السلام ) حثوا خواصهم وخلص أصحابهم الى معاينة الليلة بمعنى أن يفتحوا قلوبهم على معناها الحقيقي وان لا يتعاملوا مع ظواهرها . فقال ابو عبد الله (ع) (( إن القلب الذي يعاين ما ينزل في ليلة القدر لعظيم الشأن )) قيل : وكيف ذلك يا ابا عبد الله قال : (( ليشق والله بطن ذلك الرجل ثم يوخذ الى قلبه ويكتب عليه بمداد النور فذلك جميع العلم ثم يكون القلب مُصحفا للبصر ويكون اللسان مترجما للأذان اذا اراد ذلك الرجل علم شيء نظر ببصره وقلبه فكأنه ينظر في كتاب ))قيل له بعد ذلك : وكيف العلم في غيرها ايشق القلب ام لا ؟ قال (ع): (( لا يشق لكن الله تعالى يلهم ذلك الرجل بالقذف حتى يخيل الى الاذن انه يتكلم بما شاء الله عمله والله واسع عليم ))